تاريخ أمريكا - الجزء الثاني: اكتشاف أمريكا

الجزء الثاني

إكتشـــــــــاف أمريكــــــا

شهدت أوربا في مطلع العصر الحديث، حركة تنموية شاملة فكرية، اقتصادية، سياسية، اجتماعية، وعلمية، حتى اصطلح على هذا العصر، "عصر النهضة". (Rennaissance) بمعنى عصر البعث والاحياء أو ميلاد جديد لحضارة كانت في حالة سبات عميق طوال العصور الوسطى، التي اعتبرت من طرف العديد من الباحثين، بأنها عصر "البربرية والفوضى والظلام".

وحركة النهضة تندرج في عصر النهضة، الذي هو عصر الاصلاح الديني وحروبه، واختراع وانتشار الطباعة، وبروز الأمم والدول على أساس قومية، كما أنه عصر الكشوفات الجغرافية الكبرى التي من ألمع صورها اكتشاف العالم الجديد (أمريكا) وإبرازه الى الوجود بعد أن كان يومئذ ما يزال في طي العدم.

وقد ساهم هذا الاكتشاف، والاكتشافات الجغرافية الأخرى، بنصيب وافر في دخول أوربا خاصة وباقي دول العالم عامة، الى العصر الحديث، الذي يختلف اختلافا جذريا عن العصور السابقة. من هذا المنطلق تأتي أهمية دراسة حركة الاكتشافات وروادها وأسبابها ونتائجها التي كانت في غاية الأهمية إن على المستوى العلمي، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي.

ولا يخامرنا شك، في أن هذه الظاهرة –ظاهرة الاكتشافات- ساهمت فيها عدة أسباب ودوافع، تظافرت فيما بينها ودعمتها.

تصميم الموضوع

مقدمة
1-الأزتيك وحضارتهم:
    أ-النظام السياسي:
    ب-الديانة:
    ج-نظام الجيش:
    د-الاقتصاد:
2-الانكا وحضارتهم: Incas
    أ-النظام السياسي:
    ب-الديانة:
    ج-الجيش:
3-المايا وحضارتهم: les Mayas
    أ-علم الرياضيات والفلك:
    ب-الديانة:

الجزْء الثاني: اكتشاف أمريكا

1-الأسباب والدوافع:
   أ- الرغبة في الحصول على المواد الثمينة، الذهب، الفضة، الحرير و التوابل:
   ب- نشر الدين المسيحي:
   ج- تقدم علم الجغرافيا والفلك:
   د- تطور صناعة السفن:
   ه- النمو الديمغرافي:
2-الرواد والمواقع:
   أ- الرحالة كريستوف كلومبس
   ب- الرحالة أمريكو فسبوشي Amerigo Vesfrercci
   ج- الرحالة ماجلان
   د- الرحالة كورتيز Cortez
   ه- الرحالة بيزارو Pizarro
   و- الرحالة كابرال Alvarez Cabral
   ز- الرحالة جون كابوت Joh Cabot 1497
   ح- الرحالة كارتييه Cartier


1- الهجرة الأوربية نحو أمريكا
   أ-أسباب الهجرة الأوربية نحو أمريكا
   ب-الهجرات الأوربية
2- الكفاح الوطني من أجل الاستقلال (حركات استقلال الولايات المتحدة)
   أ- المستعمرات قبيل الاستقلال
   ب-الكفاح من أجل الاستقلال

المراجع


1-الأسباب والدوافع:

أ-الرغبة في الحصول على المواد الثمينة، الذهب، الفضة، الحرير و التوابل:

رافق تطور الحياة الاقتصادية في دول أوربا في بداية عصر النهضة ارتفاع كبير في حجم قيمة المبادلات التجارية. اذ تضاعفت عشر مرات ما بين القرن العاشر والخامس عشرالميلادي. ونتج عن هذا الرواج ازدياد الطلب على المعادن النفيسة (الذهب والفضة)، خاصة بعد نفاذ مناجم الفضة لأوربا الوسطى، وأفول دور المغرب كوسيط يزود أوربا بالذهب الافريقي. لذا أصبح البحث عن هذه المعادن، أمرا ملحا أملته الظروف الاقتصادية الصعبة). وأضحى من الضروري ايجاد مصادرها، ولو عن طريق المغامرات البحرية التي كان يجهل مصيرها.

كما أن ازدياد الطلب على المواد الأسوية، وبصفة خاصة الحرير والتوابل، التي كان تجار مدينة البندقية وجنوة يحتكرون تجارتها، دعم عملية الكشوفات، وصار البحث عن طرق جديدة توصل إلى بلاد آسيا والهند على وجه الخصوص، من هموم وهواجس الرحالة الأوربيين، خاصة وأن الطرق البحرية المتوسطية، كان يسيطر عليها الأتراك العثمانيون الذين كانوا في عداء شديد مع أوربا، ويسيطرون على بقاع شاسعة في شرق المتوسط وغربه.

ب- نشر الدين المسيحي:

يعد العامل الديني من العوامل الأساسية، التي شجعت على العمل الاستكشافي، باعتبار أن الكنيسة المسيحية اعتبرت المغامرات الاستكشافية ضربا من ضروب حرب الاسترداد ضد المسلمين في شبه الجزيرة الايبيرية. وعملا مقدسا يجب القيام به من أجل نشر الدين المسيحي بين الأقوام المختلفة، ومحاصرة العالم الاسلامي، حيث كان يتزعمه الأتراك العثمانيون الذين قهروا بسياستهم التوسعية كل مبادرة مسيحية صليبية، لذا وجب العمل على محاصرة هذه القوة الفاعلة وأبطالها، وبالتالي تقريب وبث الديانة المسيحية بين الأهالي خاصة في الأصقاع النائية، والتي كان يفترض أنها وثنية الاعتقاد. وكل هذا ارضاء للرب وعملا بكلمة ووصية الرب.

وقد وجد العديد من الكهنة ورجال الدين الذين تطوعوا لهذا الأمر، بالرغم من الصعوبات التي كانت تحيط بمغامرات الرحلات البحرية والبرية الاستكشافتين.

ان الحملات الدعائية لنشر المسيحية. كانت تلقى كل الدعم المادي والمعنوي ليس على مستوى رجال الدين فحسب، وإنما أيضا على مستوى رجالات الدولة، الذين كانوا يستغلون الدين لتحقيق مآربهم ومطامعهم الدنيوية. فكانوا يشجعون الطبقات الشعبية المؤمنة على ارتياد البحر بحثا عن أراضي جديدة التي ستصبح بعد حين، ملكا للدولة القائمة وللأشخاص المساهمين. وكل ما ازدا عدد المنخرطين و المساهمين من مختلف فئات الشعب الا وازدادت نسبة نجاح حركة العمل الاستكشافي.

ج- تقدم علم الجغرافيا والفلك:

ساعد تقدم العلوم والمعارف الجغرافية والتاريخية والفلكية، واختراع تقنيات وآلات الملاحة، على تشجيع وإنجاح الاكتشافات الجغرافية، خاصة بعد أن استفاد الأوربيون من الكتب الجغرافية العربية ومن مذكرات الرحالة العرب والاوربيين وكذا المبشرين، الذين جابوا مناطق نائية من المعمور، ووصفوا ثراء وغنى المناطق التي زاروها، فزادت رغبة الاوربيين في الوصول إليها والظفر بهذا الثراء.

كما أن فكرة كروية الأرض التي أصبحت شبه ثابتة، ساهمت في تشجيع عمليات الإبحار إذ من البداهة أن الانسان إذا انطلق من نقطة\موقع معين، سوف يعود إليه حتما بعد إتمام الدورة حول الأرض.

ومن الناحية الجغرافية أصبح من الميسور رسم خرائط أكثر وضوحا ودقة، فتم رسم خرائط الملاحة، وخرائط السواحل، الخرائط البحرية Portulans))، وتحديد التيارات البحرية واتجاهها.

د- تطور صناعة السفن:

خلال عصر النهضة، تطورت صناعة السفن تطورا ملموسا، إذ صار بالإمكان صنع سفن كبيرة وقوية، قادرة على مواجهة تيارات المحيطات وعواصفها وأمواجها، حيث تم صنع "الكارفيلا" La Caravelle وهي سفينة يبلغ طولها ما بين 20 و50 مترا، ولها ارتفاع مهم يحميها من الأمواج الخطيرة، ومزودة بأشعة كبيرة لزيادة سرعتها وتسهيل قيادتها.

la caravelle
سفينة الكرافيلا la caravelle

ومن التقنيات والآليات الحديثة التي زودت بها –أيضا- آلة البوصلة التي بواسطتها يتم تحديد موقع السفن بالنسبة للشمال، وآلة الاسطرلاب لتحديد الموقع بالنسبة لخطوط العرض، كما استعملت الخرائط البحرية Portulans الأكثر دقة وتفصيلا.

1-البوصلة \ 2- الاسطرلاب \ 3- واحدة من خرائط Portulans ما بين 1504-1505، خريطة الملاح البرتغالي بيدرو راينيل تظهر الساحل الشرقي لنيوفاوندلاند على اليسار ، مع أول بوصلة تشير إلى الشمال - المصدر: ملكية عامة
وبهذا تحسنت ظروف الإبحار، والتوغل داخل المحيطات، والقيام بالرحلات البعيدة، وزاد عدد البحارة ورواد المحيطات، ذوي روح المغامرة والشجاعة الكبيرة. ومع ذلك بقيت رحلاتهم محفوفة بالكثير من المخاطر والصعوبات المتمثلة في الأمواج العاتية والتيارات القوية، وعمق المحيطات وطولها، والجهل بما وراءها وداخلها، وهذه أمور كانت تحدث في نفس المغامرين الخوف من المصير المجهول، وبالتالي التردد والشك، وأحيانا التغاضي عن السير في الأخطار وراء المجهول.

وعلى العموم، فإنه بالرغم من كثرة المخاوف والوساوس، فقد أبان الكثير من الرحالة، عن شجاعتهم وطموحهم وقوة إرادتهم في تدليل الصعاب والكشف عن المجهول، وهو ما يتبين من خلال الإنجازات الخالدة للرواد المكتشفين للعالم الجديد، والطرق البحرية الجديدة الرابطة بين أوربا وآسيا عبر جنوب إفريقيا.

ه- النمو الديمغرافي:

عرفت أوربا خلال عصر النهضة، تزايدا سكانيا هاما، يوازي التطور الحاصل في المجال الاقتصادي والعلمي والطبي، خاصة مع انتشار الحواضر وتوسعها وتحسن الظروف المعاشة في البوادي. مما كان له تأثير إيجابي على الكشوفات الجغرافية الكبرى من ضمنها اكتشاف أمريكا، اذ بدأ المسؤولون السياسيون والاقتصاديون يفكرون في كيفية تخفيف الكثافة السكانية بدول أوربا، وذلك باتباع سياسة تشجيع السكان على الهجرة إلى الأراضي الجديدة المكتشفة والتي ستكتشف مستقبلا، بمنحهم امتيازات سياسية وعقارية في هذه الأراضي.

والجدول الآتي يبين على وجه التقريب عدد سكان بعض الدول الأوربية في بداية القرن 17 وفي آخره.

الدولة

حوالي سنة  1600

حوالي سنة 1700

فرنسا

18 مليون نسمة

19 مليون نسمة

إسبانيا

08 مليون نسمة

06 مليون نسمة

إنجلترا

4.5 مليون نسمة

5.5 مليون نسمة

ألمانيا

18 مليون نسمة

10 مليون نسمة

إايطاليا

12 مليون نسمة

11.5 مليون نسمة

والجدير بالذكر أن الديموغرافيا بصفة عامة، كانت وما تزال تتميز بولادات ووفيات مرتفعة، وبأهمية الأزمات الديموغرافية خلال هذه المرحلة التاريخية.

2- الرواد والمواقع

إن حركة الاكتشافات الجغرافية الكبرى، وفي مقدمتها اكتشاف قارة أمريكا، تزعمها أشخاص ينتمون إلى دولة إسبانيا والبرتغال، وإيطاليا، وهي الدول التي كانت السباقة إلى مضمار الحضارة وإنشاء الامبراطوريات في عصر النهضة، وقد ساعدها على ذلك، موقعها الاستراتيجي على المحيط الأطلسي واشرافها على أهم طرق المواصلات البحرية الاقليمية والدولية ودورها كوسيط تجاري وثقافي بين دول العالم في العصر الحديث.

فمن هم أبرز رجالات الاستكشاف؟ وما هي المواقع التي اكتشفوها؟

إعداد الاستاذ الحطاب بوغطاية

أ- الرحالة كريستوف كلومبس

يعد كريستوف كلومبس أول رواد حركة الاكتشاف، الذين ذاع صيتهم في الآفاق، وإليه يرجع الفضل كله في اكتشاف أمريكا لأول مرة في التاريخ الحديث. ينتمي كلومبس الى مدينة جنوة الايطالية، المعروفة بأهميتها التجارية، ودورها الاستراتيجي في الربط التجاري بين الشرق والغرب. عمل منذ صغره حائكا كأبيه، ثم زوال التجارة. وفيما بين سنتي 1470 و 1480 رحل إلى لشبونة وجعلها مستقرا له لفترة من الزمن، إطلع خلالها على الكتب الجغرافية والخرائط البحرية، فتأثر بفكرة كروية الأرض ونظرا لولوعه بالبحر والتجارة راودته فكرة تحقيق مشروع الرحلة إلى الهند، وذلك باتخاذ المحيط الأطلسي ممرا رئيسيا يربط أوربا بآسيا.

انجاز الاستاذ الحطاب بوغطاية

فعرض مشروعه على ملك البرتغال الذي رفضه توا. فسافر كلومبس الى إسبانيا، حيث عرض مشروعه المذكور على ممثلي الدولة، فتم رفضه أيضا، لكون إسبانيا كانت ما تزال يومئذ في صراع مع مسلمي غرناطة. لكن كلومبس، الطموح لم ييأس فعاود الاتصال بالملك الاسباني، الذي أعطى موافقته على المشروع وعلى شروط كلومبس التي تتلخص في الآتي: إذا تمت عملية الاكتشاف بنجاح، فإن كلومبس له الحق في أن يعين نائبا للملك في البلاد المكتشفة، ويمنح عشرة بالمائة من أرباح التجارة مع هذه البلاد.

بدأ كلومبس رحلته، وفي صحبته مجموعة من الأصدقاء وبعض المتطوعين، يوم 12 أبريل 1492، ووصلو الى جزر الخالدات، ومنها اتجهوا صوب الغرب، عابرين المحيط الأطلسي. بحثا عن الأرض المنشودة (الهند).

وفي يوم 12 أكتوبر من نفس السنة وصلوا إلى إحدى جزر الباهاماس (Bahamas)، حيث أطلق عليها اسم San-Salvador ثم تابع كلومبس وأصدقاؤه الطريق البحري فوصلوا إلى بلاد جزيرة كوبا Cuba ثم جزيرة الهايتي الحالية، فأقام كلومبس مستعمرة أطلق عليها إسم "إسبانيولا" لتكون بذلك أول مؤسسة أوربية في العالم الجديد، معتقدا أنه وصل إلى الهند.

وصول كريستوف كلومبس الى جزيرة هايتي

وفي سنة 1493 عاد كلومبس إلى إسبانيا، يغمره فرح نجاح مغامراته، فأعلن في البلاط، وأمام كبار رجال الدولة اكتشافه الجديد، ونجاح مشروعه الذي طالما دافع عنه بشدة وحزم أكيدين.

وبعد أن بث الدعاية بإسبانيا، وشجع السكان المغامرين على ارتياد البحر، لما له من نتائج إيجابية على المستوى الاجتماعي والديني والإقتصادي، جهز أسطولا ضخما يتألف من 17 سفينة و1500 متطوع، فقام برحلته الثانية في نفس السنة (1493)، وعند وصوله إلى المواقع التي اكتشفها بأمريكا الوسطى إندهش أمام واقع المصاب الحزين، ذلك أنه وجد السكان الأصليين قد قضوا نهائيا على الاسبان الذين تركهم بها، فأقام مستعمرة جديدة، لكن حظها لم يكن أحسن حالا من الأولى.

وفيما بين سنتي 1494 و 1504 أنجز كلومبس رحلتين، وصل خلالهما إلى جزر ترينيداد Trinidad والهندوراس Hondures.

ويلاحظ أن كلومبس. بالرغم من هذه الاكتشافات الهامة، لم يستطع الحصول على ما يكفي من المعادن الثمينة والتوابل. التي من أجلها خاض غمار الرحلات البحرية الصعبة. وتجرع أثناءها قساوة البحر وطول المسافة، وقلة الزاد، وضعف الامكانيات التقنية، فضلا عن الخوف من المجهول.

والجدير بالذكر هنا. أن كلومبس، صاحب الانجازات المعتبرة، في تاريخ الاكتشافات الجغرافية، التي خلدت إسمه في التاريخ العالمي، قد تعرض في أواخر حياته للمضايقات بل وللتعذيب والتنكيل، كجزاء له عن هذه الانجازات الضخمة، ذلك أنه كان قد وقعت بعض الاضطرابات في المستعمرة الاسبانية في أمريكا الوسطى، فأمر الملك الاسباني باعتقال كلومبس بتهمة ما حصل، فأرسل مكبلا بالحديد الى اسبانيا في ظروف صحية سيئة، ثم أطلق سراحه بعد أيام قضاها بين القضبان.

وقضى السنوات الأخيرة من حياته، فقيرا، بئيسا، معزولا، مبعدا عن الامتيازات وشؤون البحر والاكتشافات بالرغم من إلحاحه المستمر في مطالبة البلاط الاسباني بالحقوق والامتيازات التي خولتها له اتفاقية 1492.

وبهذه الصورة الكئيبة تنتهي حياة رجل يعد بحق وعن استحقاق الرائد الأول في مجال الاكتشافات الجغرافية في العصر الحديث، بفضل اكتشافاته المثيرة، المتمثلة في اكتشاف أمريكا الوسطى.

ب- الرحالة أمريكو فيسبوشي    Amerigo Vesfrercci

بعد كلومبس، عرفت الرحلات الاستكشافية ازديادا ملموسا، رغبة في الحصول على الثروة والمجد والشهرة، وفي هذا الإطار نجد رائدا آخر، ترك بصماته الواضحة في مجال تاريخ الاكتشافات الجغرافية في أمريكا، حتى أن هذه الأخيرة سميت بإسمه، وذلك ابتداء من سنة 1507م، ويتعلق الأمر، بشخصية أمريكو فسبوشي Amerigo Vesfrercci الايطالي الجنسية. عمل في البداية في السلك الدبلوماسي الإيطالي، ولما كان له ولع بالبحر والتجارة، إتصل بالمسؤولين الإسبان والبرتغاليين الذين كانوا يؤطرون الرحلات الإستكشافية. فطلب منهم المساعدة من أجل إنجاز رحلات عبر المحيط الاطلسي، للوصول الى بلاد الهند واتخاذها مكانا أساسيا للعلاقات التجارية. وقد شجعه الإسبان المتهافتون على المعادن النفيسة (الذهب والفضة)، على هذا المشروع، فقام برحلته سنة 1499 جاعلا من طريق كلومبس، إتجاها رئيسيا له، لكن يبدو. أنه توغل كثيرا في محاذاة الشاطئ الجنوبي الأمريكي، وربما يعود ذلك الى قوة التيارات والعواصف البحرية، حيث وصل بين عامي 1501 و1502م إلى بلاد الأرجنتين. ولاحظ أنه ليس هناك أي تماثل بين هذه البلاد، وبلاد الهند، التي سمع وقرأ عنها الكثير، وهذا ما جعله يعتقد أنه وصل إلى قارة جديدة، فدافع عن اعتقاده بشدة واطمئنان، حتى اذا ما تبين للمهتمين صحة اعتقاده، بادروا الى إطلاق إسمه على هذه القارة الجديدة المكتشفة، فحملت منذ ذلك الوقت، وإلى الآن إسم أمريكا

وتوفي الرحالة أمريكو فسبوتشي سنة 1512م، بعد إنجازه الكبير الذي حلفت به الكتب الجغرافية والتاريخية والرحلاتية.

ج- الرحالة ماجلان  Magellan

كان ماجلان Magellan من هواة الرحلات البحرية، شارك بنشاط في العديد من الغزوات البرتغالية، وعلى إثر خلاف بينه وبين المسؤولين البرتغال، إنتقل إلى إسبانيا، حيث عمل في خدمة الحكومة الإسبانية لبرهة من الزمن.

ولما كان ولوعا بالرحلات البحرية وطموحا إلى خوض غمار الاكتشافات الجغرافية الكبرى، لاستكمال أعمال وإنجازات سابقيه، أقنع حاكم إسبانيا (شارل الأول) بأن يمول بعثة علمية استكشافية يترأسها هو، للبحث عن ممر  جنوبي غربي يربط أوربا بآسيا. فحصل على الموافقة، وجهز أسطولا يكون في مستوى الطموح والبحث العلميين، فأقلع في 20 شتنبر 1519 م من نهر الوادي الكبير عند سان لوكار، الا أن رداءة أحوال الطقس عاقته عن الابحار، وفي شهر غشت من سنة 1520 استؤنفت الرحلة فكان مسارها على الشكل المبين في الخرائط:

مسار رحلة ماجلان

المصدر: Graphic News

وهكذا يتبين صعوبة الرحلة الماجلانية، والمخاطر التي تعرضت لها، حتى كان أن يهلك جميع المغامرون، في سبيل تحقيق حلم الدورة حول الأرض. لقد كانت المغامرة من أجرأ وأخطر المغامرات في التاريخ الحديث ومن أحفلها بالنتائج الإيجابية خاصة في المجال الجغرافي.

اذ بعودة رجال ماجلان الى نقطة بداية رحلتهم، ثبت للعالم علميا ولأول مرة، في التاريخ صحة نظرية كروية الأرض، فتم تنفيذ جميع الأطروحات المتوسطية المتناقضة مع الواقع التجريبي.

وبهذا الانجاز التاريخي الكبير، سجل التاريخ بمداد الفخر، دور ماجلان في هذا الاكتشاف العظيم، الذي يرجع الفضل فيه إليه وإلى طموحه وشجاعته وصبره، وبعد نظره.

د- كورتيز Cortez

ويعد كورتيز Cortez من أبرز رجال الفكر الاسباني في عصره، وأحد رجال الاستكشاف والاستعمار. عرض فكرة الرحلة الى العالم الجديد، على المسؤولين الإسبان، فلقيت الترحيب والمؤازرة. خاصة وأنه كان يحمل فكرة استعمارية أراد تطبيقها في الواقع، وقد ظهر ذلك جليا، بمجرد الوصول الى كوبا، حيث هاجم شبه جزيرة يوكوتان Youcatan وأسس على شاطئها مدينة سماهاVera Cruw وأعلن استيلاءه واستعماره البلاد باسم ملك إسبانيا. ثم توغل داخل البلاد. شيئا فشيئا، فاكتسح المكسيك واحتلها بعد مقاومة عنيفة للسكان الأصليين (في سنة 1521م)ووضع حدا لامبراطورية الأزتيك التي كانت في أوج عطاءاتها الحضارية. كما تابع كورتيز احتلاله للبلاد المجاورة فاستولى على بلاد الهندوراس وغواتيمالا، بل وصلت جيوشه الى تخوم كاليفورنيا، وكل ذلك كان في مدة وجيزة فيما بين سنة 1524 و1525

ه- بيزارو Pizarro

أما بيزارو، وهو رحالة اسباني فقد استفاد من تجارب الرحالة الذين سبقوه، فنجح في رحلته العسكرية الى بلاد البيرو وبوليفيا موطن الامبراطورية الانكية، بالرغم من قلة عدد جيشه، الذي كان لا يتعدى 180 رجلا، والذي فاجأ السكان الأصليين باستعمال الخيول والأسلحة النارية في المواجهات الحربية. وفي سنة 1535 أسس Pizarro على أحد شواطئ البيرو مدينة ليما لتكون عاصمة لممتلكاته. لكنه لم يلبث أن لقي حتفه في إحدى المعارك التي خاضتها ضد قائد إسباني آخر (للوصول إلى الغنائم والزعامة)

و- ألفاريس كابرال Alvarez Cabral

كذلك نجد، الرحالة البرتغالي، ألفاريس كابرال Alvarez Cabral (1500)، يساهم الى جانب الرحالة السابق ذكرهم، في عملية الكشوفات الجغرافية الكبرى، بتدعيم من الحكومة البرتغالية التواقة إلى تكوين إمبراطورية شاسعة الأطراف، تحتل فيها البرتغال المركز ودعامتها الأساسية الثروة المادية، ومن أجل الحصول هذه الأخيرة، فلا بد من إيجاد أسواق خارجية واستعمار أراضي جديدة غنية بالثروات المعدنية (الذهب والفضة) والطبيعية.

ففي هذا الاطار تأتي رحلة كابرال، الذي جهز أسطولا ضخما، وأراد الذهاب الى الهند لضمان احتكار حكومة البرتغال التجارة مع الهند، وأثناء عبوره للمحيط الأطلسي في اتجاه الجنوب، حاول اجتناب العواصف والتيارات البحرية، فحاد عن الطريق الذي قصده، فحملته التيارات على التوجه نحو الجنوب الغربي ورمت به غلى سواحل مستعمرة تابعة للتاج البرتغالي منذ سنة 1500م (وهي سنة اكتشافها).

ز- جون كابوت Joh Cabot

جون كابوت Joh Cabot

ثم هناك جون كابوت Joh Cabot 1497، وهو بحار إيطالي من مدينة جنوة، كان يقيم في انجلترا بصفته تاجرا. منذ سنة 1490. وقد أذهلته اكتشافات كلومبس، فتاقت نفسه إلى خوض غمار الرحلة البحرية، وقد صادف ذلك وجود رغبة ملحة لدى ملك انجلترا هنري السابع، في استعمار أراضي جديدة وضمها إلى الوطن الأم كما فعل الاسبانيون والبرتغاليون، فمول الملك رحلة كابوت، وصل خلالها، وبعد عناء ومشاق الى نيوفونلاند New Foundland ولابرادور Labrador على الشاطئ الشرقي لشمال القارة الأمريكية سنة 1497.

وبعد نجاح هذه الرحلة، قام جون كابو Jhon Cabot برحلة ثانية، كانت أكثر تنظيما وتضم أكبر عدد من الرجال، فوصل الى جزيرة جرينلاند Groenland ولقد اكتست رحلاته أهمية سياسة استراتيجية كبرى، اذ أنها أعطت للدولة الانجليزية السند القانوني لاحتلال هذه البلاد المكتشفة، والتي ستكون بعد حين قطبا هاما للهجرات الانجليزية.

ز- جاك كارتييه Cartier

الفرنسيون، هم أيضا اهتموا بحركة الاكتشافات، التي أصبحت مع مرور الوقت تدر أرباحا طائلة على أصحابها ومدعميها، لذا سعى المسؤولون إلى تشجيع وتمويل الرحلات الاستكشافية إلى العالم الجديد، ومن هذه الرحلات رحلة كارتييه Cartier الذي اتجه صوب الشمال الغربي، فوصل إلى منطقة السان لوان S.Laurent وتوغل في الداخل، الى أن توقف في المكان الذي تقوم عليه حاليا مدينة منتريال Montreal وهو الذي أطلق إسم كندا على المنطقة ككل التي اكتشفها. وأسس بها أول مركز تجاري فرنسي، وذلك سنة 1540.

هذه، إذن، نبذة عن أهم رواد الإكتشاف، والمواقع التي اكتشفوها في قارة أمريكا، سواء منها الوسطى، أو الجنوبية أو الشمالية. وهي المواقع التي ستصبح بعد حين، بالاضافة الى مواقع أخرى أبرز مراكز استقطاب للهجرات الأوربية، التي تدفقت عليها بشكل ليس له نظير في تاريخ الهجرات العالمية الحديث، بتدعيم وتشجيع من مؤسسات تجارية (الشركات) وحكومات الدول الأوربية. التي كانت تسعى بكل الوسائل إلى الحصول على الثروة، وتكوين إمبراطوريات شاسعة على حساب الشعوب المتخلفة والمغلوبة على أمرها.


إقرأ أيضا:

- تاريخ أمريكا - الجزء الأول:أمريكا قبيل الاكتشافات الجغرافية الكبرى
- تاريخ أمريكا -الجزء الثالث:الهجرة الأوربية الى أمريكا والكفاح من أجل الاستقلال

📚المراجع

1-بيلز وهويجر: مقدمة في الانثربولوجيا العامة، ج1
2-هاولز: ما وراء التاريخ (Back oh History: 374 )
3-كتاب:تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الحديث، لعبد العزيز سليمان نوار، وعبد المجيد نعنعي الصادر سنة 1973.
4-مسار رحلة ماجلان (graphic News)

إرسال تعليق

0 تعليقات