هجرة البرابرة نحو أوروبا الغربية وسقوط الامبراطورية الرومانية

لوحة تظهر محاربي الهون
لوحة تظهر محاربي الهون

القبائل البربرية وعلاقتها بالامبراطورية الرومانية

مقدمة

ينقسم تاريخ روما إلى عدة مراحل أبرزها مرحلة ما قبل التاريخ والتاريخ القديم والعصور الوسطى وعصر النهضة والعصر الحديث المبكر وأخيراً العصر الحديث. سكن البشر المنطقة التي بُنيت فيها روما منذ 5000 سنة على الأقل؛ ولا يُعرف الكثير عن هذه الفترة أو عن تأسيس المدينة.

إختلف الرومان مع المؤرخين حول تاريخ نشوء روما، فطبقا لكتابات "ماركوس فارو" فإن تاريخ تأسيسها هو 21 أبريل 753 ق.م، بينما مؤرخون آخرون يقولون بانها نشأت سنة 625 قبل الميلاد. الشيء المتفق عليه أن نشوؤها يعود إلى بدايات التمدن.

وقد مرت الامبراطورية الرومانية بعدة مراحل:

مرحلة الجمهورية الرومانية: استمرت من 509 ق.م وحتى 27 ق.م. وتميزت بكونها فترة اضطرابات وحروب تفوقت فيها على الدول اللاتينية. وعقدت معاهدة سلمية مع قرطاج في نهاية القرن السادس ق.م. وأحكمت سيطرتها على شبه الجزيرة الإيطالية. واندفعت نحو إسبانيا، ووضع الجيش الروماني أقدامه في آسيا. انتهت الجمهورية الرومانية بصراع على السلطة بين ماركوس أنطونيوس وأغسطس قيصر، والذي انتهى بمعركة أكتيوم البحرية ليصبح أغسطس قيصر الحكم الوحيد لروما في 2 سبتمبر 31 ق.م وتنتهي الجمهورية وتبدأ الإمبراطورية الرومانية.

أغسطس بريما بورتا
(أوائل القرن الأول الميلادي)

مرحلة الامبراطورية الرومانية: كانت الإمبراطورية الرومانية أكبر امبراطورية في التاريخ، حيث أطلق عليها الامبرياليين عبارة ” إمبراطورية بلا نهاية ”، فقد أحاطت الإمبراطورية بالبحر الأبيض المتوسط من كل الجهات وبلغت أقصى امتداد لها في القرن الثاني الميلادي (أنظر للخريطة) .

الامبراطورية الرومانية في أقصى امتدادها
وصلت الإمبراطورية الرومانية أقصى امتداد لها في العام  117 في عهد تراجان
المصدر:wikipidia

تعرضت الامبراطورية الرومانية عبر تاريخها للعديد من الاضطرابات والتهديدات وسقوط وقيام أباطرة أقوياء، غير أن أشدها كانت أزمة القرن الثالث، والتي وضعت الإمبراطورية على حافة الانهيار، فقد شهدت هذه الفترة ازدياداً خطيراً في الاضطرابات السياسية والاجتماعية وتصاعدت فيه الهجمات الخارجية وخصوصاً من القبائل الهمجية والجرمانية وعودة الإمبراطورية الفارسية للزحف حول الشرق. التي جعلت الامبراطورية على حافة الانهيار والتي انتهت ببناء الإمبراطور "قسطنطين الأول" مدينة القسطنطينية كعاصمة جديدة للإمبراطورية.

بعد ذلك حدثت أزمات مهددة بسقوط الإمبراطورية مما أدى في النهاية إلى تقسيم الإمبراطورية في 286 م. إلى شرقية وعاصمتها القسطنطينية وغربية وعاصمتها روما. وفي 324 م، أصبح الإمبراطور قسطنطين الأول أول إمبراطور يتحول إلى المسيحية، ليتخذها الامبراطور ثيوذوسيوس الأول دينا رسميا للإمبراطورية.

وبعد وفاة الإمبراطور ثيوذوسيوس الأول (379-395م) - آخر إمبراطور للإمبراطورية الرومانية الموحدة. والذي تولى حكمها في عام 378 - تآكلت سيادة الإمبراطورية تدريجيا لإساءة استخدام السلطة، والحروب الأهلية، والهجرات والغزوات البربرية، حيث قام ملايين البربر من شمال وشرق اوروبا باجتياح الامبراطورية الرومانية، ولم تستطع الجيوش الرومانية ان توقفهم لانها كانت مجهزة على ان تقاتل جيوش اخرى وليس اقوام او اناس يمتدون نحوها. لتقسم الامبراطورية بشكل فعلي ورسمي بين أبناء "ثيوذوسيوس الأول" حيث عاد الشطر الشرقي لإبنه أركاديوس مع عاصمة بلاده في القسطنطينية والشطر الغربي لهونوريوس مع عاصمة بلاده في ميلانو

ثيودوسيوس الأول، أركاديوس، هونوريوس


تصميم الموضوع
القبائل البربرية وعلاقتها بالامبراطورية الرومانية
مقدمة
1- استقرار قبائل الجرمان على تراب الإمبراطورية الرومانية
2- برابرة السهوب الروسية والآسيوية
3- استيلاء البرابرة على الولايات الرومانية
4- دخول عناصر الهون إلى أوروبا وعناصر الفيزيقوط إلى الإمبراطورية الرومانية
5- غزو قسم من الأوستروغوط إيطاليا بقيادة رئيسهم راداغيز والغزو الفاندالي الأكبر في 405:
6- إستقرار عناصر الفيريغوط في غاليا
7- إستقرار عناصر الفاندال في شمال إفريقيا
8-استقرار عناصر الفرنجة والبرغنديين في غاليا

9- امبراطورية الهون وانهيارها وسقوط غرب اوربا بيد غيرهم من البرابرة
امبراطورية الهون
إنحلال إمبراطورية الهون
سقوط غرب أوربا بيد البرابرة الجرمان وانهيار الحكم الروماني
مملكة الفاندال في عهد جينسريك
إستقرار عناصر الأنجلوساكسون في بريطانيا

الجزء الثاني: التنظيم السياسي والاداري للقبائل الجرمانية  في مطلع القرن 6م
1- الصفات العامة للتنظيمين السياسي والإداري
2- الصفات العامة للمجتمع الروماني في مستهل القرن السادس الميلادي
3- مجتمع القوط الغربيين
4- مجتمع البورغونديين
5- الدور التاريخي لجرمانيا
6- مملكة القوط الشرقيين

الجزء الثالث :محاولة الامبراطور البيزنطي جيستينيان إحياء الإمبراطورية الرومانية الغربية
1- إحتفاظ الأباطرة البيزنطيين بما كانوا يدعونه من حقوق على ولايات غرب أوروبا قبل عهد جيستينيان
2- إسترداد جستنيان الولايات الإمبراطورية في إفريقيا (527-565)
3- إسترداد إيطاليا من الأوستروغوط وإحياء الإمبراطورية الرومانية فيها
4- إسترداد إسبانيا وإعادة الحكم الإمبراطوري إليها
5- إستقرار عناصر الآفار في أوروبا واحتلال اللومبارديين لإيطاليا

الجزء الرابع : تاريخ الكنيسة في العصر الروماني
2- تعاليم المسيح وتأسيس الكنيسة
3- نشر الحواريين للمسيحية
4- تنظيم الكنيسة
المصادر والمراجع

1- استقرار قبائل الجرمان على تراب الإمبراطورية الرومانية

ظل "الفريزيون" حقبة طويلة منطوين على أنفسهم، بينما حاول جيرانهم "السكسونيون" بعد وصولهم من "هولشتاين" إلى الحوض الأدنى للويز الانتشار جنوبا ثم غربا مقتفين آثار الفرنجة البحريين حيث غالبا ما اشتركوا معهم في تنقلاتهم وحملاتهم العسكرية. أما اللومبارديون المستقرون في الحوض الأدنى للألب فقد وصلوا إلى سيليزيا ثم في اتجاه حوض مورافيا.

وثمة شعوب جرمانية أخرى خلف الشعوب المذكورة: الانجليز Angles والوارن Warnes والجوت في شلزفيغ وهولشتاين ، وعناصر الروج Roges وصلوا نهر الثيس في نهاية ق3، ثم السكيرس Skires وتوقفوا في مقاطعة غاليسيا منذ ق 3. وبقيت في أقصى الشمال كتلة شعوب جرمانية غير واضحة المعالم تروح وتغدو في اسكندنافيا، نميز بينها أربع مجموعات:

-النورفيجيون في الغرب، يحيون في فوضى، والسويديون أكثر تنظيما وغدت أوبسالا عاصمتهم السياسية والدينية، والجوت Gautes في الغتلاند Goetland والدنمركيون الذين وصلوا في ق3 إلى سكانيا جنوب شبه الجزيرة السكندنافية كان لهذه الشعوب تنظيم بدائي. وباحتكاكها بالجرمان المستقرين في المقدمة بدأت تنتظم وتشعر بذاتيتها منذ احتكاكها بالرومان.

المقاطعات الرومانية  والجرمانية في بدايات القرن الثاني الميلادي
المقاطعات الرومانية (أحمر) والجرمانية (أخضر) في بدايات القرن الثاني الميلادي
المصدر:Wikipidia

2- برابرة السهوب الروسية والآسيوية :

عاشت وراء مستنقعات البريبيت ومجرى الدون في السهوب الروسية  الشاسعة مجموعة من القبائل الرحل بدون حدود طبيعية. لا نعرف شيئا عن تاريخها، ونميز فيها بعض الكتل:

-أولا: كتلة العناصر السلافية الغير المستقرة-في الشمال الشرقي، بجوار منابع نهر النيمن Niemen وحوض الدنيبر الأعلى ومستنقعات البريبيت. استقرت فيها منذ قرون غير مكترثة  بهجرات القبائل الجرمانية المجاورة باتجاه الدانوب.

ثانيا: العناصر الليتوانية - شمال الكتلة الأولى في سواحل البلطيق- استقرارهم قديم.

-ثالثا العناصر الفنلندية –شمال الليتوانيين.عبروا مجرى الفولغا واستقروا بجوار خليج ريغا ثم بحيرة لادوغا  Lake Ladoga وخليج بوثنيا بضغط عناصر اللابون Lapps

لقد مرت آسيا في منتصف القرن 4 بأزمة حادة، ذلك أن الإمبراطورية الصينية تعرضت لغارات البرابرة على سواحلها من المحيط الهادي، على غرار الامبراطورية الرومانية في نفس الوقت على سواحل البحر الأبيض المتوسط. ومنذ السنوات الأخيرة من القرن الثالث كانت بعض القبائل التي لا حصر لها تروح وتغدو وراء سور الصين الشهير، وتدعى قبائل الهون أو الهيونغ les Huns ou Hiong،  فخرجت من صحاريها في منغوليا واخترقت الحاجز الواقي في الشمال الغربي من بكين وأخضعت جميع أقاليم الصين الشمالية بين النهر الأصفر وخليج بيتشيلي Petchilli.

وأزال انهيار إمبراطورية الصين عن وجهها كل عقبة، فاندفعت إلى أقصى الغرب. ولم يكن أمام الهون سوى منفذين هما: منفذ واد جيحون  واحتلته منذ ثلاثة قرون قبائل شعب "اليوتشي les You-Tche " والمنفذ الثاني يفضي الى حوض الفولغا. وهكذا فإنها منذ 355 سلكت طريق الغرب مصممة على أن تشق لنفسها طريقا ولو بالقوة عبر السهل الروسي.

3- استيلاء البرابرة على الولايات الرومانية

وصلت بعض قبائل الهون إلى أوربا منذ ق1م.فرت في سنة 92 من وجه جيوش الصين التي هزمتها، بينما كانت جموع الهون المهاجرة في ق4 غفيرة، وأن شعبا بكامله بدأ في الزحف على أوربا  وكانت نتائج غاراته بمثابة  كارثة، وتراجعت القبائل الجرمانية نحو الجنوب، بحيث فتحت الحدود كلها وبصورة مفاجئة أمام هذا الزحف الفوضوي للقبائل الجرمانية التي فرت من وجه عناصر الهون.  وعلى الرغم مما بذلته حكومة الامبراطورية لصيانة كرامتها، فإن هؤلاء الجرمان الذين سمح لهم بالاستقرار سينظمون جماعاتهم بصورة بطيئة، وسيتمتعون باستقلال ذاتي معدين الامبراطورية لأن تتحول إلى واقع من الدول البربرية.

خريطة غزو الامبراطورية الرومانية ما بين 100 و 500 ميلادية
تألفت الغزوات البربرية من حركة الشعوب الجرمانية القديمة في الأراضي الرومانية. على الرغم من أن الغزوات الشمالية حدثت طوال فترة حياة الإمبراطورية، إلا أن هذه الفترة بدأت رسمياً في القرن الرابع الميلادي واستمرت لعدة قرون، حيث كانت الأراضي الغربية تحت سيطرة حكام أجانب شماليين، وأبرزهم هو شارلمان. تاريخيًا، كان هذا الحدث العلامة الفاصلة للانتقال بين العالم القديم والعصور الوسطى.
المصدر:wikipidia

4- دخول عناصر الهون إلى أوروبا وعناصر الفيزيغوط wisigoths إلى الإمبراطورية الرومانية

لا نملك سوى معلومات بسيطة عن دخول الهون إلى أوربا-وكانت العناصر الآلانية Alains أول من تلقى صدمة الهون من العناصر البربرية، وقضت على مقاومتها فافسحت لهم الطريق. كذلك حاول الأوستروغوط إيقاف المجتاح الجديد ببسالة لكنهم لم يستطيعوا سوى تأخير وقوع الكارثة بعد الهزيمة التي أنزلها بهم الهون في 370م. وسرعان ما تلقى الفيزيغوط  صدمة هزيمة بني عمهم المستقرين في الشرق.

وغدا الجو شمال الدانوب عند الفيزيغوط جحيما لا يطاق عبرت أول مجموعة منهم النهر في ربيع 376 بحوالي 35-40 ألف شخص بإذن من الامبراطور "فالنس" كعناصر حليفة. لكن صارت الآلاف المؤلفة تعبر تلك الحدود بدون إذن وعلى جناح السرعة إلى ميزيا الداخلية. ولم يكن بالامكان إيقاف هذا  المد إلا في صيف 379 بعد الحملة المظفرة التي قادها الشاب الامبراطور "ثيودوسيوس" حيث أسر حملة كاملة من قواتهم وأجبرهم على الفرار نحو الشمال.

أمكن اذن الحفاظ على الإمبراطورية ما عدا ميزيا التي بقيت بأيدي الفيزيغوط. ونصت معاهدة أبرموها مع الامبراطور في 382 جاء فيها أن الفيزيغوط لن يقيموا في هذه الربوع إلا بصفتهم حلفاء يقدمون مقاتليهم للاشتراك في حروب الإمبراطورية مقابل جزية سنوية من امبراطور القسطنطينية إلى رئيسهم، لكن سرعان ما استأنفوا غاراتهم المدمرة على ولاية تراقيا. ووصلوا إلى أبواب القسطنطينية بقيادة ملكهم آلاريك وتجرؤوا فاجتازوا مقدونية في 396 ووصلوا تساليا واجتازوا ممر ثيرموبيلاي في اليونان ودخلوا مظفرين إلى أثينا ومدن اليونان مستولين على أسرى وغنائم.

 لكن هؤلاء "الفيزيغوط wisigoths" فروا من وجه الحملة البحرية بقيادة "ستيليكون" الوصي على الامبراطورية الغربية، فروا من ستيليكون إلى مقاطعة "إبيروس" شمال غرب اليونان. وفي عام 397 أعطوا الوعود بمنحهم أقاليم أخرى. ومنحهم "آركاديوس" امبراطور القسطنطينية إذنا  بالاستقرار كحلفاء في ولايات إيليريا ومنح ملكهم "آلاريك" لقبا يحسد عليه وهو قائد الحرس الوطني في إيليريا الممتدة حدودها حتى جبال الألب النمساوية.

القائد ستيليكون Stilicon الوندالي وملك الفيزيغوط آلاريك
من اليمين الى اليسار:آلاريك و ستيليكون

وفي هذه الآونة أخذ مفهوم المؤازرة  ينمحي. وتمكن الامبراطور من جعل  الفيزيغوط يرنون بأبصارهم نحو غرب أوروبا لحماية القسطنطينية من السقوط بيد أولئك الغزاة الجرمان. وكانت خطة سياسية بارعة.

 ولم تمضي سنتان على استقرار الفيزيغوط في مواقعهم حتى اجتاحوا فجأة جميع إيستريا مفاجئين "آكيليه" في 18 نونبر 401 ومن البندقية إلى نهر البو حتى مدينة بليزانس وحاولوا الاستيلاء على ميلانو وفيها كان "هونوريوس Honorius " إمبراطور القسم الغربي مقيما. وبعد أن ظن ملك القوط أنه لن يجد القائد "ستيليكون Stilicon" الوندالي في طريقه -وكان وزيرا لهونوريوس وهو صاحب السلطة الحقيقي في امبراطورية الغرب الرومانية- فقد اصطدم به وهزم آلاريك مع قواته في 6 أبريل 402 واعتبر نفسه سعيدا لانسحابه بحرية –مفاوضة-على إيليريا.

وهكذا فقد ارجئ مشروع احتلال إيطاليا وأصبح ألاريك والفيزيغوط كإسفين دق بين شطري الامبراطورية، وبسيطرتهم على ميزيا وولايات غيليريا  صار بوسع الفيزيغوط الانقضاض كما يحلو لهم على إيطاليا أو تراقيا أو مقدونية. ومن البديهي توقع استئناف محاولاتهم من هذه الجهة أو تلك.

5- غزو قسم من الأوستروغوط إيطاليا بقيادة رئيسهم راداغيز والغزو القاندالي الأكبر في 405:

صدم عالم البرابرة من جراء دخول الهون إلى أوربا وبدأ الفيزيغوط تحت وطأة الهون يستقرون في ميزيا (صربيا). ودخلت مجموعة من الاستروغوط الى ولاية بانونيا (هنغاريا) حيث قبلهم الإمبراطور الروماني "ثيوذوسيوس Théodose " في 380 أيضا كحلفاء. وصلتهم أنباء زحف آلاريك على إيطاليا فاقتفوا أثرهم في نهاية 405 بقيادة رئيسهم "راداغيز" وبمعيتهم عصابات برابرة آخرون. ودخلوا بالقوة إلى ايطاليا الشمالية ينهبون ويحرقون  ناشرين  الذعر في البلاط الإمبراطوري الذي اضطر على جناح السرعة أن يعبئ حملة بين جميع الطبقات بمن فيهم العبيد. وتمكن ستيليكون أيضا من الانتصار على الغزاة. وحوالي نهاية غشت 406 أسر "راداغيز" وأرسل إلى التعذيب. ولم تنج باقي قواته من الذبح إلا باجتيازها الألب بأقصى سرعة.

لقد اكتوى الرومان بنار الغزو الهوني. واتجهت العناصر الآلانية نحو غرب أوروبا في 377م ووصلت مصب الدانوب الذي أجلت عنه عناصر الفاندال "الهازدينج Hasdings" ومعها عناصر السويف حوالي 401م والذين جعل منهم  القائد  "ستيليكون" حلفاء للإمبراطورية وفق القاعدة التي غدت منذ ذلك مألوفة. ومنحهم باسم إمبراطور الامبراطورية الرومانية الغربية "هونوريوس" أراضي القسم الشمالي في النمسا وبافاريا لكنهم اجتازوا الدانوب الأعلى ملتقين عند الماين بأقاربهم الادتين وهم الفاندال السيلينج Sillings. وبعد معركة قتل فيها الملك الفاندالي "غوديجيزيل GODIGISEL " تابع الفاندال زحفهم  دافعين أمامهم قسما من البورغونديين وقوات الفرنجة حلفاء الامبراطورية عن موقعها. واجتازت قوات هذه الكتلة العظيمة من الشعوب نهر الراين في 31 يناير 406م فاتحة الطريق أمام كتلة البرابرة التي احتلت جميع شمال شرق غاليا. أما "ستيليكون" الرئيس الفعلي للإمبراطورية في الغرب فلم يجد قوات لصد الفاندال ورفاقهم الذين تقدموا نحو الجنوب. وفي 408 وقعت عدة اشتباكات في غاليا بين قوات الامبراطورية بقيادة الامبراطور والفاندال. وتجنبا من البرابرة للحصار اجتازوا جبال البرانس في خريف 409. وبعد أشهر طويلة من النهب والعنف جعلوا من شبه جزيرة إيبيريا خرابا. وفي 411 أبرمت السلطات الرومانية معاهدة معهم، فصاروا حلفاء، وأعطوا مقابل ذلك الأراضي والقمح.

6- إستقرار عناصر الفيريغوط في غاليا:

ما أن تخلصت غاليا من الفاندال وحلفائهم حتى فوجئت بغزو الفيزيغوط وذلك بعد هزيمتهم في 402 في شمال إيطاليا. لقد عانى "آلاريك" من قوة القائد الروماني "ستيليكون". وفي 407 هزم في أتون معركة حامية في مقاطعة إبيراوس. ثم صمم في 408 على الانقضاض  على شمال ايطاليا. وأخفق في حصاره لروما وتوفي في 410 في ظروف مجاعة بين قواته.

وبدأ الفيزيغوط زحفهم بقيادة ملكهم الجديد "اتولف Athaulf " نحو غاليا بعد اغتيال "ستيليكون" في غشت 408م، واستنفد الامبراطور "هونوريوس" طاقته في الحروب ضد المغتصبين فسمح للفيزيغوط باجتياز شمال إيطاليا إلى سهول اللانغدوك وآكيتانيا جنوب غرب فرنسا في 412. تمكن هؤلاء الغزاة من دخول مدن ناربونة وتولوز وبوردو حتى ساحل الأطلسي  في 413. وانطلاقا من مبدأ تحالفهم طالبوا حكومة الامبراطورية بأن تعيرهم القمح. وبعد تمكن "كونستانس" قائد الحرس الوطني من الاستئثار بالحكم في الامبراطورية رفض طلب الفيزيغوط وحاصرهم، بعد أن صارت طلبات " اتولف Athaulf " لا تطاق، (هاجم الفيزيغوط روما في 410 وأسروا أخت الامبراطور. كما كان طموحهم تحقيق مشروع آلاريك في الانتقال من اسبانيا الى شمال إفريقيا) لكن "اتولف Athaulf " اغتيل في نهاية 415.

وقد تم النصر لروما والاعتراف بسيادتها لكن على الأراضي التي ستمنح  لهم وأن تضمن لهم سنويا الميزة وحق الاستقرار في القسم الساحلي من إقليم أكيتانيا ثم قسم من ولاية اللانغدوك بين 416-418.

7- إستقرار عناصر القاندال في شمال إفريقيا

استخدم "كونستانس" الفيزيغوط لاسترداد اسبانيا من الفاندال والسويف والآلانيين.وفعلا انجز ملكهم الجديد "واليا" هذه المهمة، وانتصر في 416 على ملك الفاندال السيلينج وأسره وشتت الآلانيين فلجأوا الى ملك الفاندال الآسدينج الذي تجنب الاشتباك بالفيزيغوط واتجه الى الأقاليم الاسبانية الغنية في الجنوب الشرقي. وتمكن بعد سنة 422 من الانتصار على الحاميات الرومانية هناك واستولى على مدينتي قرطاجنة واشبيلية في 425 واستولى على الأسطول الروماني وفكر في عبور البحر إلى شمال إفريقيا طمعا في حبوبها التي اعتبرها أولائك الجرمان بمثابة جنة عدن.

وبعد وفاته في 428 أنجز المهمة خلفه "جينسريك GENSERIC " وعبر مضيق أعمدة هرقل. وبعد معارك انتصر على حاكم افريقيا الروماني واستقر في منطقة الجزائر. وبعجز القوات الرومانية عن طرده وافق قائد الحرس الوطني في عهد الإمبراطور الصغير فالانتينيان في 3 فبراير 435 على اعتبار الفاندال حلفاء لروما، وسمح لهم بالاستقرار في ولاية نوميديا (ولاية قسنطينة). ولم يقنع ذلك "جنسريك  GENSERIC"  الذي اتجه لاحتلال سهول القمح في ولاية أفريقية (تونس) في 439 وخاصة مدينة قرطاجة بموجب معاهدة جديدة مع روما في 442.

8- إستقرار عناصر الفرنجة والبورغونديين في غاليا:

استأنف الفرنجة البحريون زحفهم حتى غاند في بلجيكا والاقليم الغربي من الفلاندر (بلجيكا). وعلى الرغم من انتصار قائد الحرس الوطني الجديد "إيتيوس" عليهم استولى أحد زعمائهم على مدينة كامبريي الفرنسية في 430 وضفاف نهر السوم. وكالعادة أبرم القائد معهم تحالفا، وفعل نفس الشيئ مع البورغنديين فوافق في 428 على استقرارهم في وورمز ومايانس في وقت أخذ الهون في 430 في مهاجمة البورغنديين الذين ما أن حطوا رحالهم في مناطق الضفة اليمنى لنهر الراين حتى عبروه الى الغرب، ولخشية قائد الحرس الوطني من أن يستولوا على إقليمي اللورين أو شامبانيا  البالغي الاهمية لروما سمح لهم بالاستقرار في اقليم بعيد هو السافوا قاطعا كل اتصال بينهم وبين جرمانيا، وتم استقرار البورغونديين في هذا الاقليم في 433 مع إضفاء صفة الحلفاء عليهم.

9- إمبراطورية الهون وانهيارها وسقوط غرب أوربا بيد غيرهم من البرابرة

1.9-امبراطورية الهون

أما عن الهون فهم شعب مغولي الأصل ترتعد فرائص أوروبا بأكملها لسماع اسمهم، توالى زحفهم غربا طيلة القرن الرابع مزحزحين القبائل البربرية عن أماكن استقرارها أو إخضاعها. وخضعت لهم قبائل القوط الشرقيين والهيروال واللومبارديين. وغطت إمبراطوريتهم في القرن الخامس نصف مساحة أوروبا بين جبال القوقاز ونهر الالب واجتازوا الحدود المذكورة وهددوا تراقيا والتخوم الرومانية والفارسية، وتجرأت بعض قبائلهم في 395 وعبرت أرمينيا إلى كابادوكيا في آسيا الصغرى وشمال سورية الى أطراف  أنطاكية.

وبدأ رؤساء قبائل الهون يقتبسون بعض مظاهر الحضارة الجرمانية (بالاخضاع ومحاولة التمثل). واذا كانت جهود الهون للاجهاز على الامبراطورية الرومانية  في غرب أوروبا لم تنجح فقد كانت النتيجة الغير مباشرة لتلك الغزوات استنفاد طاقات الامبراطورية مسهلة مهمة القبائل البربرية التالية.

أصبح الهون السادة الحقيقيين لجميع المنطقة الواقعة بين جبال القوقاز شرقا ونهر الراين غربا وحوض الدانوب جنوبا وشمال ألمانيا وبولونيا شمالا.

الامبراطورية الرومانية الشرقية والغربية وامبراطورية الهون عام 450 ميلادية
الامبراطورية الرومانية الشرقية والغربية وامبراطورية الهون عام 450 ميلادية

خريطة الهون والدول المجاورة لهم في عام 450
الهون والدول المجاورة لهم في عام 450

وفي هذه الظروف كان "إيتيوس" المتصدي الرئيسي للبرابرة. وكثيرا ما أطلق عليه عن جدارة لقب "آخر الرومانيين" لتحديده الهدف النهائي لمهمته في هذه الحياة وهو استرداد جميع الولايات التي فقدتها الامبراطورية من جراء غارات قبائل الجرمان عليها.

ولم يتورع  عن إبرام تحالف مع الهون، فأوجد خطرا أشد وطأة على الامبراطورية من خطر الجرمان، وهذا ما وضح في 448 لما أسندت مهمة رئاسة قبائل الهون الى عاهل عبقري هو "أثيلا" الذي أطلق في 451 العنان، لقبائله وتعدادها حوالي نصف مليون محارب غادروا بلاد المجر لمهاجمة غرب أوربا وعبروا الراين الى غاليا مخربين مدمرين . واعتبرت غارات الهون هذه بمثابة قضاء مبرم على الحضارة الغربية حسب المؤرخ الأوربي ... وتمكن إيتيوس حتى في أحلك ساعاته من الاحتفاظ برباطة جأشه وهدوئه كروماني قديم توجه بأقصى سرعة إلى غاليا وتولى قيادة قواته من البورغونديين والفرنجة ضد الهون، وطلب مساعدة عاهل الفيزيغوط المسن تيودوريك الذي جمع مقاتلته وهب مسرعا لنجدته.

اشتبكت القوتان في سهول كاطالونيا وشامبانيا الفسيحة بين طلوع الفجر وحلول الظلام. ولربما لم ينشب عبر حقب التاريخ قتال أضرى من ذلك الذي وقع بين الهون والفيزيغوط. واذا صدقنا تقديرات المعاصرين بلغ عدد القتلى عشرين ألفا. وامتحن الفيزيغوط بشكل مروع بمصرع عاهلهم "تيودوريك". ونصبوا ابنه خليفة وصدقوا في قتال خصومهم  لدرجة وهنت قوى الهون مما حدا بآثيلا إلى الانسحاب من المعركة.

وبرهن "إيتيوس" على أنه أحد دهاتين السياسة بقدر ما كان قائدا مغوارا، بحيث رفض القضاء على الهون كليا. وتعجب آثيلا من ذلك ووجد طريق انسحابه خاليا فتراجع بسرعة إلى سهول المجر.

لكن بعد سنة واحدة من هزيمة آثيلا وقبائله الهونية عاد ليهدد إيطاليا، حيث هاجمها الهون بغثة من حدودها الشمالية الغربية مستولين على سهول البو. وغدا الطريق إلى روما مفتوحا أمامهم ولم يعد بإمكان أية قوة في العالم أن تحول دون سقوط تلك المدينة بأيدي عصابات فرسان الهون الباعثة للذعر. وحدث أمر لا يصدق بدا للمعاصرين لغزا. ذلك أن آثيلا لم يتوجه إلى روما بخلاف ما كان ينتظره المعاصرون بل عاد أدراجه سالكا نفس الطريق التي أوصلته إلى تلك الربوع.

الامبراطور أتيلا Attila
الامبراطور أتيلا
المصدر: Wikimedia

وتنفست الإمبراطوريتان الغربية  والشرقية الصعداء. وعندما انتشر خبر مصرع آثيلا أو "الآفة التي سلطها الله على البشر" حسب المؤرخ الأوربي حيث قتلته زوجته الحسناء "هيلدغوند Hildegonde " ابنة ملك البورغونديين وكان أجبرها على الزواج منه، بقيت ذكراه حية للغاليين والجرمان وصارت أسطورة تناقلوها مع مرور الزمن، وعلق المجريون الذين احتلوا هنغاريا أو أرض الهون  منذ ق11 على أعلامهم شعار آثيلا واعتبروه أحد أبطالهم القوميين.

2.9-إنحلال إمبراطورية الهون

لم تكن امبراطوريتهم راسخة الجذور، ولم يكن بين صفوف الهون من يشغل الفراغ الذي خلفه مقتل الزعيم آتيلا الذي اقترن بعدد من الزوجات ورزق أولادا كثيرين تقاسموا السلط.

ذكر لويس هالفين عن الفوضى التي سرت في امبراطورية الهون بعد وفاة آتيلا ما نصه:

"وقد استشرت ثورة عارمة في إمبراطورية الهون أذكى لهيبها الجرمان الذين رغبوا حتى في نفس العام  الذي توفي فيه آتيلا في تحطيم نير الهون.

وألحقت قبائل القوط الشرقيين وحلفاؤهم الجرمان الخاضعون للهون هزيمة بابن آتيلا البكر إيلاي Ellae في سهل بانونيا غرب المجر. وتراجع الهون مع احتفاظهم بحكم أقاليم الحوض الأدنى للدانوب وأقاليم سهوب حوض البحر الأسود. وهكذا حدث ذلك الانهيار المفاجئ لأكبر إمبراطورية بربرية عرفتها أوروبا حتى هذه الفترة.

وعلى الرغم من ذلك لم تنته حلقات تاريخ الهون، إذ لا يمكن لشعب أن يختفي فجأة من مسرح الأحداث العالمية بعد أن كانت أخباره الشغل الشاغل للعالم طيلة قرن، فإن تلك القبائل البربرية التي أغرتها الانتصارات التي أحرزتها في ظل الملك روا وأولاده قد انتظم عقدها حول ملوك هذه الأسرة.

لكن وفاة آتيلا جعلت ذلك العقد ينتشر وتبدد شمل قبائل الهون فانهار التنظيم الذي وصعه ملوكهم وعاد الإنقسام والإضطراب ليلف مملكة الهون. ولما استؤنف تنظيم هذه المملكة كان في أطر أضيق وقامت الشخصية العنصرية لكل جماعة من تلك القبائل بدور كبير ونجحت في أن تؤسس كل منها لنفسها كيانا سياسيا مستقلا.

ثمة أولا جماعة الهون الغربيين أو الكوتريغور Coutrigours في حوض الدانوب الأدنى وجوار ابحر الأسود حتى نهر الدنيبر، بقيت مثيرة لقلق حكومة القسطنطينية طوال أكثر من 15 سنة من جراء غاراتها على تراقيا. وكان يحكمها أحد أبناء آتيل الذي أسر في 468 وقتل وانهارت قوتها. لكن تلك القبائل ببدأت تتوحد صفوفها منذ 468 وقتل وانهارت قوتها. لكن تلك القبائل بدأت تتوحد صفوفها من 481 متخذة اسما جديدا هو البلغار الذين اعتبرهم الرومان الورثة الحقيقيين للهون وتضاعفت أعدادهم بمن إنضم إليهم حتى نهاية ق5. وكان مقاتلة البلغار فرسانا مهرة وأشداء لا يستولي عليهم التعب ولم يكونوا أقل شراسة ووحشية من فرق مقاتلة آتيل. بعثوا في أوربا نفس الذعر وكان نمط معيشتهم شبيها جدا بطريقة الهون. ولم يلبثوا أن غدوا ألد أعداء الأباطرة البيزنطيين.

وهناك جماعة ثانية من الهون هي عناصر الاوتيغور Outigours من قبائل عديدة إستقرت بين حوضي الدنيبر والدون.

وأما جماعة الهون الثالثة فهي "السابير" واستقرت شرق الجماعة الثانية بين مجرى الدون وجبال القوقاز.

وثمة مجموعات أخرى ظهرت في جميع المناطق التي كان آتيلا قد استولى عليها ونذكر على سبيل المثال الجماعة التي عاشت في واد الفولكا حيث أسس البلغار دولة ثانية "1

وقد تنفست أوربا الصعداء بين فترتي انهيار الهون وبداية تشييد  الجرمان لممالكهم على أنقاضها

3.9-سقوط غرب أوربا بيد البرابرة الجرمان وانهيار الحكم الروماني

لم يق انحلال الإمبراطورية الهونية الإمبراطورية الرومانية من الدمار. وطبعت سلسلة من الاضطرابات والجرائم مراحل الإحتضار الطويل للإمبراطورية في الغرب. وأعقب مقتل قائد الحرس الوطني "إيتيوس" على يد الامبراطور "فالانتينيان" 3 في 21 شتنبر 454 مقتل الامبراطور نفسه على يد منافسه "ماكسيم" في 31 مارس 455م . ولم يتمتع خليفته ماكسيم بالعرش فعزل أولهما وهو "آفيتوس" على يد "البطريرق ريسيمير" في 456 وعزل الثاني وهو "ماجوريان" وقتل بعد 5 سنوات على يد "ريسيمير" الذي نصب شخصا بدون شعبية هو "سيفسروس" إمبراطورا لم يلبث أن توفي في 15 غشت 465، ثم عمل على تنصيب "أنتيميوس" وتصاهر معه ثم ألقى عليه القبض وقتله في 11 يوليوز 472 رافعا إلى سدة العرش "أوليبريوس" (رقم 16) وكان بدون شعبية وخاضعا لنفوذ "جينسريك" ملك الفاندال.

 وبعد وفاة "أوليبريوس" ووزيره "ريسيمير" في 472 استشرى نزاع على العرش بروما بين زعيمين أقل أهمية هما:"غليسيريوس" و"جوليوس نيبوس" الذي انتصر على خصمه في يونيو 474 فثار عليه قائد الحرس الوطني الجديد.

"أوريستوس" (حوالي رقم5) الذي نصب ابنه امبراطورا على روما وهو "رومولوس" في 31 أكتوبر 475. وبلغ من هزء الرومانيين بهذا الامبراطور الشاب أن لقبوه ب "أوغوستوليه" (اغستوس الصغير).

في هذه الظروف تدخل البرابرة بزعامة "أودواكر" المنصب ملكا عليهم في 23 غشت 476 وقبض على "أوريستوس" وقتله. ولما نفذ صبر البرابرة من اضطرارهم لخدمة دولة محتضرة طالبوا أن يعاملوا فيها على قدم المساواة مع أمثالهم. ويمنح شعبهم كيانا مستقلا باعتبارهم أحلافا لا مرتزقة. وأن تخصص الامبراطورية إتاوة سنوية تدفع لملكهم.

10- مملكة الفاندال في عهد جينسريك

كان موقف "أودواكر" مناقضا لموقف غالبية ملوك الجرمان الذين منحوا من قبل كيان الحلفاء. وبدأ ملوك البرابرة يتناسون تدريجيا التغييرات المفروضة على ممارستهم الحكم كحلفاء وصاروا منذ منتصف القرن5 يمارسون الحكم كعواهل  مستقلين في جميع الأقاليم التي كانت الامبراطورية الرومانية الغربية سمحت لهم بالمقام فيها كحلفاء.

وكان "جينسريك" ملك الفاندال أول أولائك الملوك الحلفاء ممارسة للاستقلال، وذلك بعيد استقراره في ولاية أفريقية (تونس) بموجب المعاهدة التي تلجأ إليها القوات الرومانية. ودمر حصون الامبراطورية المشيدة في ولايته التي  تلجأ إليها القوات الرومانية. وصادر قسما من الأراضي العامة وطرد الذين يشك في ولائهم وفرض على سكان ولايته الطاعة العمياء. وتدخل في تعيين أفراد هيئة الإيكليروس في ولايته. وفي 455 انتهز فرصة قتل الامبراطور "فالانتينيان الثالث" ليعلن رسميا أنه لم تعد تربطه أية علاقة تبعية بخلفه ماكسيم المسؤول عن قتل سلفه. ثم أبحر باتجاه الساحل الإيطالي ونزل في ميناء بورتو عند مصب التيبر ودخل مع قواته إلى روما في يونيو حيث كان الامبراطور ماكسيم قد ذبح منذ يومين، فاعملت قوات الفاندال في روما طيلة أسبوعين سلبا ونهبا وانسحبت بالغنائم والأسرى بينهم الامبراطورة "أودوكسي Eudox" أرملة "فالانتينيان" وإبنتيها وبدأ "جينسريك" بغارات على سواحل المقاطعات الإيطالية في صقلية وكالابريا وكامبانيا. وقطع المواصلات البحرية بين إيطاليا وولايتي موريطانيا (المغرب) ونوميديا (الجزائر) واستولى على ولاية طرابلس الغرب.

11- إستقرار عناصر الأنجلوساكسون في بريطانيا 2

لم تبق أية سيطرة للامبراطورية الرومانية في الجزيرة البريطانية بعد مطلع ق5. وبدأت آخر الحاميات بالانسحاب من انجلترا منذ 407، فسقطت غنيمة باردة بيد عناصر السكسون وجيرانهم المستقرين بشمال جومانيا وهم الانجيل والجوت. وهنت مقاومة السكان المحليين في 411 في شرق وجنوب البلاد في وجه الغزاة الذين تضاعفت أعدادهم. ووالى الغزاة الجدد إيغالهم وسط الجزيرة مزحزحين العناصر البريطانية وملقين بها إلى الشمال أو مبيدينها، وهاجرت الفئات البريطانية المغلوبة على أمرها إلى منطقة آرموريكا في شمال غرب غاليا وحملت إسمهم فيما عرف بشبه جزيرة بروتاني.

وخاض البريطانيون الباقون في جزيرتهم نضالا شاقا ضد الغزاة لم يستفض المؤرخون في تفاصيله. ونتيجة المقاومة البطولية لم تستطع العناصر الجرمانية حتى منتصف ق16 أن تسيطر على الاقاليم الجنوبية في تلك الجزيرة.

تابع قراءة:

📚المصادر والمراجع:

1- لويس هالفين: مجموعة الشعوب والحضارات، مجلد5،فصل3،ص32-55
2- لويس هالفين، مجموعة الشعوب والحضارات المجلد 5، فصل 4، ص48، 49، مجموعة غلوتوز عن العصور الوسطى، مجلد 1
- حاشية ل د.ج.نسيم في أسفل الصفحة نقلا عن موسوعة تاريخ العالم ل ويليام لانجر، ج11
- ذ.صلاح مدني، أوروبا في العصور الوسطى:
- ل.ب. موس، المرجع المذكور، فصل5
- أوجين آلبيرتيني، مجموعة الشعوب والحضارات، مجلد4، بعنوان "الامبراطورية الرومانية" ج6.
- محمد بوكبوط: الممالك الأمازيغية في مواجهة التحديات، صفحات من تاريخ الأمازيغ القديم، مركز طارق بن زياد ، الطبعة الأولى، أكتوبر 2002م، الرباط، المغرب
- شارل أندري جوليان: تاريخ أفريقيا الشمالية، الجزء الأول، تعريب: محمد مزالي والبشير بن سلامة، الدار التونسية للنشر، الطبعة الأولى سنة 1969م

إرسال تعليق

0 تعليقات