تاريخ أمريكا -الجزء الثالث:الهجرة الأوربية الى أمريكا والكفاح من أجل الاستقلال


تصميم الموضوع

مقدمة
1-الأزتيك وحضارتهم:
    أ-النظام السياسي:
    ب-الديانة:
    ج-نظام الجيش:
    د-الاقتصاد:
2-الانكا وحضارتهم: Incas
    أ-النظام السياسي:
    ب-الديانة:
    ج-الجيش:
3-المايا وحضارتهم: les Mayas
    أ-علم الرياضيات والفلك:
    ب-الديانة:

الجزْء الثاني: اكتشاف أمريكا
1-الأسباب والدوافع:

   أ- الرغبة في الحصول على المواد الثمينة، الذهب، الفضة، الحرير و التوابل:
   ب- نشر الدين المسيحي:
   ج- تقدم علم الجغرافيا والفلك:
   د- تطور صناعة السفن:
   ه- النمو الديمغرافي:
2-الرواد والمواقع:
   أ- الرحالة كريستوف كلومبس
   ب- الرحالة أمريكو فسبوشي Amerigo Vesfrercci
   ج- الرحالة ماجلان
   د- الرحالة كورتيز Cortez
   ه- الرحالة بيزارو Pizarro
   و- الرحالة كابرال Alvarez Cabral
   ز- الرحالة جون كابوت Joh Cabot 1497
   ح- الرحالة كارتييه Cartier


الجزء الثالث: الهجرة الأوربية نحو أمريكا والكفاح من أجل الاستقلال
1-الهجرة الأوربية نحو أمريكا
   أ-أسباب الهجرة الأوربية نحو أمريكا
   ب-الهجرات الأوربية
2- الكفاح الوطني من أجل الاستقلال (حركات استقلال الولايات المتحدة)
   أ- المستعمرات قبيل الاستقلال
   ب-الكفاح من أجل الاستقلال
المراجع

الجزء الثالث

تاريخ الهجرة الأوربية إلى أمريكا

شهدت أمريكا. منذ بداية القرن 17م حركة هجرة أوربية نشيطة ومكثفة. لأجل الاستقرار وتكوين المستعمرات. هذه الهجرة حدثت بشكل مباشر بعد نجاح عمليات الاكتشافات الجغرافية في أمريكا، التي قادها الرواد الأوائل ابتداء من أوساط القرن 15م. فما هي العوامل التي أدت إلى تدفق الآلاف بل الملايين من السكان الأوربيين على قارة أمريكا حتى أنها اعتبرت من أهم الهجرات العالمية في التاريخ الحديث؟ وكيف ذلك؟ وما هي أصولهم وانتماءاتهم الجغرافية؟.

1- الهجرة الأوربية نحو أمريكا

أ- أسباب الهجرة الأوربية نحو أمريكا

- الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية

من العوامل الأساسية التي دفعت بسكان إنجلترا إلى الهجرة إلى العالم الجديد، الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية المزرية التي كانت تمر بها إنجلترا خلال القرن 17 الميلادي، بحيث أنه في الفترة الواقعة بين 1620 و 1635 عرفت إنجلترا خللا اقتصاديا خطيرا أدى إلى معضلات إجتماعية، إذ تعطل عن العمل عدد كبير من السكان، "وأصبح حتى الصناع المهرة لا يستطيعون تحصيل ما يقيم أودهم إلا بشق الأنفس".

- الاضطهاد الديني

ومن العوامل الجوهرية-أيضا- التي جعلت الأوربيين يهاجرون إلى أمريكا، العامل الديني، الذي يصعب عزله عن العامل الاقتصادي، لأنهما شكلا معا الأساس لهذه الحركات السكانية النشيطة، فعلى سبيل المثال، عرفت إنجلترا خلال القرنين 16و17م، صراعا دينيا حادا بين دعاة الإصلاح "البيورتان" (الطهريون) والكاثوليك من جهة، والبيورتان والدولة من جهة أخرى. فقد كان البيورتان يرغبون في إصلاح المذهب الديني الرسمي في إنجلترا إصلاحا داخليا. وكان منهاج هؤلاء الأساسي يرمي إلى استكمال المذهب البروتستانتي في الكنيسة الوطنية وتبسيط طقوس الصلاة والعبادة". فلقوا من جراء أفكارهم الإصلاحية. العنت والاضطهاد، مما حملهم على الهجرة الى العالم الجديد بحثا عن الحرية الدينية.

وكانت هجرتهم أقوى هجرات التيارات الدينية.

- الاستبداد السياسي

لقد عم نظام الاستبداد السياسي أغلب دول أوربا خلال القن 17م، مما كان سببا في قيام العديد من الفعاليات السياسية وعموم المواطنين، بهجرات متتابعة إلى عالم الدنيا الجديدة، بحثا عن مكان مناسب لمزاولة نشاطاتهم السياسية، وإقامة أنظمة حكومية تناسب تطلعاتهم الفكرية والسياسية. فقد شجع الحكم الفردي الاستبدادي الجائر في إنجلترا، في الثلاثينيات من القرن 17م، الهجرة إلى أمريكا، كما جعل "قيام الثروة وانتصار خصوم شارل الثاني بزعامة أوليفر كرومويل، في السنوات العشر التالية" الكثير من الفرسان (حاشية الملك) يهاجرون إلى ولاية فرجينيا للاستقرار بها.

وفي ألمانيا ساهمت سياسة الاستبداد والاضهاد في ظل حكم الأمراء، خاصة في المجال الديني "وما حل بالبلاد من دمار وخراب من جراء الحروب الطويلة، في تنشيط حركة الهجرة إلى أمريكا في أواخر القرن 17 وفي القرن 18 الميلاديين.

- تشجيع الشركات الخاصة للسكان على الهجرة

لعبت الشركات التجارية الأوربية دورا مهما في عملية تشجيع السكان على الهجرة إلى العالم الجديد، للاستقرار به، وضمان حياة أفضل.

إن المسؤولين الحكوميين في إنجلترا. منحوا للشركات التجارية حق امتلاك الأراضي في أمريكا، فقد حصلت "شركة لندن" على تفويض في سنة 1606 بتعمير مستعمرة بين خطي العرض 34 و41. وكذلك الشأن بالنسبة لشركة "بلا يموث" التي خولت في العام ذاته إقامة مستعمرة بين خطي العرض 38 و 45. فكان لهاتين الشركتين حق توزيع الأراضي " على المهاجرين، "واستغلال المناجم، وسك النقود، وتنظيم الدفاع عن مستعمرتيها. واحتفظ الملك الذي كان يمنح التفويضات بالسلطة العليا على حكومتي المستعمرتين".

ونظرا لمكانة وأهمية هذه الشركات. فقد اعتبرت من الأدوات الهامة التي ساهمت في عملية الهجرة إلى العالم الجديد، وذلك بتشجيع السكان على الهجرة، وتسهيل ذلك لهم، لأن عملية الهجرة كانت تتطلب مصاريف باهضة لا يقدر الإنسان العادي على تسديدها. إلا باللجوء إلى هذه الشركات التي كانت تدفع تكاليف نقلهم، مقابل العمل لحسابها كعمال متعاقدين.

ب- الهجرات الأوربية نحو أمريكا

-      الهجرات الإنجليزية والفرنسية:

تدفق على شمال أمريكا سيل من المهاجرين الأوربيين، ويأتي في طليعتهم المهاجرون الإنجليز ثم المهاجرون الفرنسيون.

الخريطة والمبيان يوضحان عدد المهاجرين نحو أمريكا من مختلف مناطق العالم ما بين 1820 و2010
الخريطة والمبيان يوضحان عدد المهاجرين نحو أمريكا من مختلف مناطق العالم ما بين 1820 و2010
Source: U.S. Department of Homeland Security

إن هؤلاء المهاجرين مثل جميع الرحالة الأوائل إلى العالم الجديد، جاءوا "في سفن صغيرة مكتظة، وعاشوا خلال رحلتهم التي كانت تتراوح بين ستة أسابيع وإثني عشر أسبوعا على القليل من الزاد. والكثير منهم قضى عليهم المرض، وغالبا ما كانت العواصف تضرب سفنهم وتعطلها، وبعضها فقد في البحر " لأنه كان عليهم أن يقطعوا مسافة طويلة تقدر بحوالي خمسة آلاف كيلومتر عبر البحر.

سفينة قادمة الى أمريكا مكتظة بالمهاجرين

ومن بين أهم المجموعات السكانية الإنجليزية التي عانقت العالم الجديد، بعد عناء شديد، والتي كانت تبحث عن حياة مستقرة (آمنة مطمئنة) هي المجموعة البيورتانية \ الطهرية لأنها كانت خاصة فيما بين سنتي 1628 و1640 "في حال من القنوط والتوجس" وتعاني الكثير من المضايقات والاضطهاد الديني والسياسي على حد سواء. فهاجر 20.000 عشرون ألفا من أشد أهلها جلدا وأصلبهم عودا".

"ولم يقل عدد الرحلات البحرية التي نقلت المستوطنين والأنعام والأثاث عبر المحيط الأطلسي عن 1200 ألف ومائتين". خلال التاريخ المذكور، حتى إن بعض مدن إنجلترا خلت من نصف سكانها، لهذا السبب. ولم تكن المستعمرات التي أقيمت في أمريكا مؤلفة من رجال الدين فقط، وإنما من أطباء ومحامين ومدرسين ورجال أعمال وحرفيين. "وأصبحت نيو انجلند New England صورة مصغرة من إنجلترا موطنهم القديم. كما هاجر مجموعة من حراس الملك فيما يسمى ب (هجرة الفرسان المدللين) بعد ذلك بقليل واشتدت بصفة خاصة في سنة 1649 عندما أعدم الملك تشارلز الأول، ثم واصلت اشتدادها حتى إعادة الملكية في سنة 1660م. وتوالت حركات الهجرة الإنجليزية إلى العالم الجديد، وتم تأسيس على إثرها العديد من المستوطنات والحاميات التي ستستقطب المزيد من الباحثين عن الحرية والحياة الفضلى \ المستقرة.

أما المهاجرون الفرنسيون، فقد استقروا في منطقة كندا، وكانوا يتألفون من رجال الدين، والسياسة، وعامة الناس، بالإضافة إلى التجار والحرفيين، والصناع، والمزارعين. وغيرهم على غرار الفئات المهاجرة من إنجلترا تقريبا.

ففي كندا أسس الفرنسيون مجموعة من المستعمرات لتكون مستوطنا ومستقرا لهم ومن أهمها مدينة كوبيك Quebec، وذلك سنة 1608. وابتداء من سنة 1634 أخذ الفرنسيون يقتحمون المناطق الداخلية، ويقيمون المستعمرات حتى اذا انقضى القرن 17 السابع عشر، كان الفرنسيون قد ضموا القسم الأكبر من بلاد كندا ووادي المسيسيبي، والقسم الغربي الأوسط من أراضي الولايات المتحدة الحالية. وهي مساحة أكبر بكثير من مساحة أراضي المستعمرات الإنجليزية. لكن هذه الأخيرة كانت أكثر كثافة سكانية من الأولى.

- الهجرات الأوربية الأخرى

يلاحظ أنه بعد عام 1680 لم تعد إنجلترا المصدر الرئيسي للمهاجرين، لأن جموعا عظيمة، وفدت من ألمانيا وايرلندا واسكتلندا، وسويسرا لأسباب مختلفة. فقد هاجر الآلاف من الألمان فرارا من الحرب "وغادر كثير من الإيرلنديين شمال إيرلندا هربا من الفقر الذي بسببه اضهاد حكوماتهم" وحيف كبار ملاك الأراضي. ولنفس السبب نزح الاسكتلنديون والسويسريون إلى العالم الجديد الذي كان يغري بخيراته ونعمه  وفضائه الواسع وطبيعته الخلابة.

"وبقدر ما تميزت به مستعمرة بنسلفانيا من تنوع الأجناس والشعوب كانت نيويورك مثالا للصورة التي طبعت أمريكا فيما بعد كأمة تضم أناسا ينطقون بلغات عديدة. ففي سنة 1646 كان المرء يسمع إثنتي عشرة لغة ، يتكلم بها الناس على طول نهر هدسن حيث تألف السكان من هولنديين، وفرنسيين، ودانيمركيين، ونرويجيين وسويديين وإنجليز، واسكتلنديين، وألمان، وبولنديين، وبرتغاليين وإيطاليين...الخ".

والجدير بالذكر أن الهولنديين أنشأوا مستعمرة أطلق عليها اسم "نيواندلاند" وهي التي أصبحت تعرف فيما بعد بنيويورك. ولم يدم تملكهم لها أكثر من أربعين سنة، إذ ما لبث الإنجليز أن انتزعوها منهم في إطار عملياتهم العسكرية الاستعمارية في أمريكا الشمالية، وذلك سنة 1664م. لكن بقي تأثير الهولنديين واضحا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لنيويورك.

2- الكفاح الوطني من أجل استقلال أمريكا

أ-المستعمرات قبيل الاستقلال

في بداية القرن 18، كان الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية والواقع بين خليج سان لوران S.Laurent وولاية فلوريدا  الإسبانية في الجنوب خاضعا للمستعمرين الإنجليز. ويمكن التمييز بين المستعمرات على أساس موقعها حسب التقسيم الجغرافي التالي:

1-المستعمرات الشمالية، وهي كالتالي: نيوهامشير، مساتشوستس، كونكتيكت ورود إيرلاند، نيو انجلند.

2-المستعمرات الجنوبية: تريلاند، فرجينيا، كارولينا الجنوبية، وجورجيا.

3-المستعمرات الوسطى: نيويورك، نيوجرسي، ديلاوار،وبنسلفانيا.

بينما توسعت المستعمرات الفرنسية في الطرف الآخر من أمريكا، فقبل أن ينتهي القرن 17، كانت هذه المستعمرات تشمل قسما كبيرا من بلاد كندا ووادي المسيسيبي والقسم الغربي الأوسط من أراضي الولايات المتحدة حاليا، أي كل الأراضي الممتدة من جبال الأليكا في الشرق والروكي في الغرب ومن كندا إلى خليج المكسيك في الجنوب، وهي مساحات أكبر بكثير من أراضي المستعمرات الإنجليزية التي كانت تمتد على طول الأراضي الساحلية الممتدة من كندا في الشمال حتى فلوريدا في الجنوب والممتد غربا حتى جبال الأليكاني.

ونظرا لهذا التقارب الجغرافي بين مستعمرات إنجلترا ومستعمرات فرنسا، وازدياد أطماعهما، بات من الأكيد نشوب حرب بين الطرفين خلال القرن 18 لفرض السيطرة والسيادة على المستوطنات في العالم الجديد.

وهذا ما حدث في سنوات 1689 إلى 1697، وكانت الحرب الأكثر شدة هي المعروفة بحرب سبع سنوات والتي امتدت من سنة 1755 إلى سنة 1763م في أوربا وفي أمريكا، "وبالرغم من أن الفرنسيين في كندا كانوا أكثر استعدادا للحرب وأفضل تدريبا إلا أنهم هزموا في نهاية الحرب بفضل تفوق المستعمرين الإنجليز عدديا. كما انتهت الحرب بهزيمة فرنسا في أوربا أيضا مما جعلها تبدأ مفاوضات الصلح في باريس والتي انتهت بمعاهدة باريس "حيث فرضت إنجلترا شروطا قاسية على فرنسا بمقتضى هذه المعاهدة. ومن نتائجها، تنازل الفرنسيين لصالح الإنجليز، عن كل أراضي كندا والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية لنهر المسيسيبي. وهكذا خرجت فرنسا بخفي حنين \ خاوية الوفاض من مستعمراتها بشمال القارة الأمريكية. وأصبحت إنجلتا هي سيدة المستعمرات بدون منازع. وكان عليها "بعد انتصارها على فرنسا أن تواجه مشكلة أهميتها حتى ذلك الوقت وهي مشكلة الإمبراطورية، لا في أمريكا فحسب، بل في الهند أيضا، وفي باقي بلدان العالم. اذ أصبح من الضروري أن تنظم انجلترا ممتلكاتها الشاسعة بشكل يسهل مهمة الدفاع، ويوفق بين المصالح المتباينة للمناطق والشعوب المختلفة، ويوزع بالتساوي نفقات الإدارة الإمبراطورية".

"ولم يكن الموقف في أمريكا يسمح بأي تغيير بالرغم من أن الحاجة ماسة لوضع نظام امبراطوري جديد على الأقل من وجهة النظر الإنجليزية. ولما كان أهل المستعمرات قد اعتادوا من زمن بعيد أن يتمتعوا بقسط وافر من الاستقلال فإنهم أصبحوا في مرحلة من التطور يطلبون المزيد من هذه الحرية ولاسيما بعد أن زال الخطر الفرنسي. وكان تنظيم الإدارة وتنفيذ أي نظام جديد، يحتم على ساسة إنجلترا منازعة أهالي المستعمرات الذين تعودوا على الحكم الذاتي وأصبحوا لا يطيقون صبرا على أي تدخل". "لقد كان نقص الإشراف من جانب الحكومة الإنجليزية أكبر الظواهر البارزة في جميع أطوار التقدم الاستعماري". "ولم تكن إنجلترا حتى سنة 1763 قد وضعت سياسة إمبراطورية ثابتة لمستعمراتها. وكان المبدأ السائد هو وجهة النظر التجارية التي تحتم  على المستعمرات" "إمداد البلد الأم بالمواد الخام وأن لا تنافسها في الصناعة. غير أن هذا المبدأ كان يفتقر إلى قوة التنفيذ، اعتبرت نفسها –شبيهة في ذلك بانجلترا نفسها- جمهوريات أو دويلات ليس بينها وبين السلطات في لندن سوى رابطة إسمية\مفككة.

ونتيجة لهذا الاتجاه، حاول البرلمان في لندن، كما حاول الملك أن يخضع النشاط الاقتصادي في المستعمرات لإدارة إنجلترا ويجعله وفق مصلحة الدولة الإنجليزية. بيد أن أغلبية سكان المستعمرات عارضت هذه التبعية. فخاضت كفاحا مستمرا من أجل نيل الاستقلال.

ب-الكفاح من أجل الاستقلال

خاض السكان المستوطنون في أمريكا، حروبا ضروسا من أجل حقهم في الحرية والاستقلال، عن التاج البريطاني. ولم يكن هذا الأمر هينا وسهلا، فقد تطلب من الفريقين تضحيات جسام، وحركات عسكرية وسياسية متواصلة، امتدت من سنة 1763 تاريخ معاهدة باريس الى سنة 1783 تاريخ عقد معاهدات الصلح بين الأمريكيين والإنجليز، والتي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة ونيل حريتها وسيادتها كاملة.

لقد بدت إنجلترا بعد سنة 1763، وكأنها تسيطر على الوضع في أمريكا الشمالية لا ينازعها منازع، مما جعلها تسن عدة إجراءات سياسية واقتصادية للمحافظة على هذا الوضع، في الحال والمستقبل. خاصة وأنها في أمس الحاجة إلى دعائم مالية لتغطية مصاريف حرب 1763 الباهظة بعد أن ارتفعت ديونها سنة 1764 إلى سبعين مليون من الجنيهات الذهبية. ولهذا، اضطرت حكومة لندن إلى إصدار عدة قرارات سياسية اقتصادية جبائية، يأتي في مقدمتها " قانون السكر" المشهور الصادر سنة 1764 الذي كان الغرض منه زيادة مداخيل ميزانية الدولة عن طريق هذه الضريبة. إذ بموجب هذا القانون أصدرت الحكومة الإنجليزية ضرائب  جمركية على العسل والنبيذ والحرير والبن وبعض المنتوجات الأخرى.

وفي هذا الاتجاه، قررت الحكومة في سنة 1765 فرض ضريبة من أجل تغطية مصاريف الحماية والدفاع عن المستعمرات. وهي الضريبة التي اشتهرت باسم "التمغة" تقضي هذه الضريبة الصادرة بموجب القانون المعروف Stamp Act بأن يلصق طابع يتراوح ثمنه بين ستة ينسات وستة جنيهات على الصحف والمجلات والوثائق والمستندات التجارية وعقود البيع والرهن".

الا أن هذه القرارات المجحفة في حق الأهالي ، أضرت بمصالحهم ضررا كبيرا، مما حملهم على العصيان وإثارة الفتن والاضرابات في كل الولايات التابعة للتاج البريطاني، ومنها مقاطعة المنتجات الآتية من إنجلترا، ورفع السلاح في وجه الجيش الحكومي.

وأمام هذه الضغوطات المتواصلة والعداء المتزايد ضد إنجلترا في المستعمرات الثلاث عشر، تراجع البرلمان الإنجليزي عن بعض القرارات منها، العدول عن قانون التمغة وتعديل مواد قانون السكر. وفي مقابل ذلك أقر البرلمان قانونا "يؤكد على صلاحية البرلمان الإنجليزي لفرض الضرائب على المستعمرات".

ولكي يبقى حق فرض الضرائب قائما أبقت الحكومة الإنجليزية على ضريبة الشاي التي أصر الملك جورج الثالث على الاحتفاظ بها لهذا الغرض. بالرغم من المعارضة الشديدة من الأهالي، وبالرغم من توجه الأمريكيين نحو مقاطعة الشاي الإنجليزي، وتشجيع استهلاك الشاي المهرب من المستعمرات الهولندية.

ومن القرارات التي أغضبت الأهالي الأمريكيين، إصدار البرلمان الإنجليزي للقانون الذي اصطلح عليه ب "قانون كوبيك" سنة 1774 الذي كان الغرض منه تنظيم سياسية الأراضي التي ضمتها إنجلترا إلى مستعمراتها بأمريكا بعد انتصارها على فرنسا. هذا التنظيم المرغوب  فيه كان يحمل في طياته الكثير من القرارات والتنظيمات التي تسيء إلى حد كبير، لكرامة وشخصية المواطن في أرضه وبلاده.

هذه الإجراءات والقرارات الجائرة والمجحفة، أذكت سخط عامة السكان، الذين بدأوا يفكرون في الوسائل لمواجهتها ومقاومتها. لذا بادرت مستعمرة ماساشوسيتس إلى إعلان العصيان والتمرد، فتبعتها المستعمرات الأخرى وأبدت رغبتها في مساعدتها على هذا الأمر. "كما اقترح نواب فرجينيا دعوة مندوبي المستعمرات للاجتماع سنة 1774 في مدينة فيلاديلفيا، على شكل مؤتمر يتم فيه التداول في قضيتهم إزاء إنجلترا.

وفي السنة التالية أي في سنة 1775 عقد المؤتمر الثاني في فيلاديلفيا أيضا أمام تصاعد الأحداث والمواجهات مع الإنجليز. كان من أبرز نتائجه تكوين جيش أمريكي يشارك فيه جميع المستعمرات، يتولى أمره وقيادته شخصية مرموقة عرفت بالشجاعة والكفاءة العسكرية والنبوغ، وهو شخصية جورج واشنطن، الذي ينتمي إلى ولاية فرجينيا. "ولم يأت ربيع سنة 1776 حتى كانت قوات واشنطن تهدد مدينة بوسطن وتطرد " القوات الإنجليزية منها وتلحق بها الخسائر الفادحة في العتاد والأرواح.

وفي 10 ماي سنة 1776 اتخذ المؤتمر قرار إعلان الانفصال عن إنجلترا، حيث شكلت لجنة لإعداد الإعلان الرسمي يبين الأسباب اتي دعت إلى اتخاذ هذا القرار الخطير. وعهد إلى هذه اللجنة إعداد وثيقة الاستقلال.

ولم يتم إقرار "إعلان الاستقرار" إلا في 4 يوليوز من سنة 1776 الذي "لم يؤذن بمولد أمة جديدة فحسب بل وضع فلسفة الحرية البشرية التي أصبحت القوة المحركة للعالم الغربي بكامله. ولم تقم هذه الفلسفة على بيان مظالم خاصة، ولكنها قامت على قواعد واسعة للحرية الفردية التي تجد تأييدا في سائر اتحاد الولايات الأمريكية.

ومما جاء في هذا الاعلان: "إننا نؤمن بأن الناس جميعا خلقوا سواسية، وأن خالقهم قد وهبهم حقوقا لا تقبل المساومة منها حق الحياة وحق الحرية والسعي لتحقيق السعادة. وإنما تقوم الحكومات بين الناس لضمان هذه الحقوق وتستمد سلطانها العادل من رضى المحكومين ومن حق الشعب. وأنه إذا ما قوضت الحكومة هدفا من هذه الأهداف أصبح من حق الشعب أن يغيرها أو يغيرها أو يلغيها، ثم يقيم بدلا  منها حكومة يضع أسسها على المبادئ وينظم سلطانها في الصيغة التي تحقق له الأمن والسعادة".

استمر العصيان والحروب الثورية ضد الإنجليز في أمريكا الشمالية أكثر من ست سنوات بعد الإعلان عن الاستقلال سنة 1776. على أن عام 1777 شهد أعظم الانتصارات الأمريكية في مواجهتها  العسكرية، وكان ذلك بمثابة نقطة تحول في مسار السياسة الإنجليزية والفرنسية وكذا المقاومة الأمريكية.

ففي سنة 1778 على سبيل المثال. اضطرت القوات الإنجليزية إلى إخلاء مستعمرة فيلاديلفيا بسبب تهديد الأسطول الفرنسي الذي لم يعد محايدا أمام هذا الوضع الجديد في أمريكا. "وفي السنة نفسها أكدت سلسلة الهزائم التي ألحقت بالإنجليز في واد أوهايو سلطة الأمريكيين على الشمال الغربي. كما استولو في أوائل سنة 1780 على تشارلستن واجتاحوا مقاطعة كارولينا.


إقرأ أيضا:

- تاريخ أمريكا - الجزء الأول:أمريكا قبيل الاكتشافات الجغرافية الكبرى
- تاريخ أمريكا - الجزء الثاني: اكتشاف أمريكا


📚المراجع

1-بيلز وهويجر: مقدمة في الانثربولوجيا العامة، ج1
2-هاولز: ما وراء التاريخ (Back oh History: 374 )
3-كتاب:تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الحديث، لعبد العزيز سليمان نوار، وعبد المجيد نعنعي الصادر سنة 1973.

إرسال تعليق

0 تعليقات